وينبغي لمن يقرئ القرآن أن يكون متواضعاً لله عز وجل، شاكراً
له على عظيم ما أنعم به عليه من إقراء كتابه الكريم، وإذا سئل عن
مسئلة فليستعن بالله عزَّ وجلَّ على الجواب، ثم يقرأ قوله عزَّ وجلَّ:
(سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) .
فإذا فتح عليه بالجواب فليحذر العجب، وليذكر قوله عز وجل:
(بَل اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ) .
وقد روى سلمة بن عاصم، عن الكسائي، رحمه الله، قال: صليت بالرشيد، فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبى قط، أردت إلى قوله (لعلهم يرجعون) فقلت: (لعلهم يرجعين) قال: فوالله ما أجترأ هارون أن يقول لي: أخطأت، ولكنه لما سلّمت قال لي: أيّ لغة هذه، قلت يا أمير
المؤمنين قد يعثر الجواد، قال: أما هذه فنعم.
وكان شيخنا أبو القاسم، رحمه الله، يجلس على طهارة نعلم ذلك
منه بأنه كان يصلي الظهر بوضوء الصبح، وكان إذا أذن المؤذّن لصلاة
الظهر انتصب قائماً يستبرئ نفسه ليعلم هل يحتاج إلى الوضوء، فإن
رأى ذلك توضّأ، وإلّا صلى على حاله تلك، وكان لا يسجد إذا قرئت
عليه السجدة، ولا يسجد أحد ممن يقرأ عليه، وكذلك كان سنة
أشياخه، والله أعلم؛ لأنه شديد الاقتداء بمن أخذ عنه.
والسبب في ذلك أنّ حال المقرئ، والمعلّم يخالف حال من يتلو القرآن لنفسه، ولو كلّف المقرئ، والمعلم ذلك لأفضى الأمر إلى الحرج، والمشقة.
وكذلك مس المعلم ألواح الصبيان، وفيها القرآن على غير طهارة.
وكذلك قال الأئمة في كتبهم، حتى قال بعض شيوخنا، وكان قد قرأ
على خلق كثير، وجم غفير: لم يكن أحد منهم يسجد إلَّا شيخ صالح.
يعني غير متحقّق بالإقراء، ولا معرفة له بطريقهم.
وعلى هذه الصفة كان