قال يحيَى بن آدم، قال لي أبو بكر بن عيَّاش: إنك لتسألني عن
شيء، من هذه الحروف أعملت نفسي فيه زماناً سنة بعد سنة، وسنة
بعد سنة، في الصيف والشتاء والأمطار.
قال: وذكر من اهتمامه بهذه الحروف، وطلبه لها من عاصم اهتماماً، وطلباً شديداً، قال: وقال لي: انما تعلمت من عاصم كما يتعلم الصبى من المعلم، فلقي مني شدة.
فما أحسن غير قراءة عاصم، وهذا الذي أخبرك به من القرآن إنما تعلمته
من عاصم تعلماً.
قال أبو بكر: وقال لي عاصم، حين سمع قراءتي:
أحمد الله، فإنك قد جئت، وما تحسن شيئاً، فقلت: إنما خرجت من
الكُتَّاب، ثم جئت إليك.
وقال: لقد فارقت عاصماً، وما أسقط من القرآن حرفاً، وقال: تعلمت القرآن من عاصم خمساً خمساً، ولم أتعلم
من غيره، ولا قرأت على غيره، واختلفت إليه نحواً من ثلاث سنين في
الحر والشتاء والأمطار حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني كاهل.
وكيف يقول يحيَى ذلك؟ وإلى أي شيء يسند قوله؟
وإنما يعلم هذا من قرأ على عاصم، وسمع ذلك منه، أو علمه من حاله إذ كان تجريح أبي بكر لا سبيل إليه.
وقال أبو بكر بن عياش: نظرت إلى أقرأ الناس، فلزمته عاصماً.
ونظرت إلى أفقه الناس، فلزمته مغيرة، فأين تجد مثلي؟
قال: وختمت على عاصم ثلاث ختمات.
وقال بشر بن الحارث: وذكر المحدثين، والفقهاء، فقال: فيهم
أبو بكر بن عيَّاش.
وقال أبو عيسى النخعي: لم يفرش لأبي بكر بن عيَّاش فراش
خمسين سنة.