وقيل: ليست آية البقرة بناسخة، ولا منسوخة، وإنما هي مخصوصة
بالنهي عن القتال في الحرم، ولا يحل القتال فيه إلَّا لمن قاتل.
قال ذلك مجاهد، وطاووس، وأكثر العلماء على وجوب
قتال المشركين أينما كانوا بآية التوية، والتوبة نزلت
بعد البقرة بمدة متطاولة.
قوله عز وجل: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)
قال مجاهد: هي محكمة، والمعنى فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم، فأباح أن تقاتل في الحرم من قاتلك، ولا يحل أن
تبدأه بالقتال فيه، وهو حكم ثابت عنده إلى الأبد.
وعن ابن عباس أنها منسوخة، وقد نسخ اعتداء من اعتدى عليه برد أمره إلى السلطان، فلا يقتص بيده، وإنما يقتص له السلطان، قالوا: قال ابن عباس: نسخها قوله عز وجل.: (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)
ولا يصح ذلك عن ابن عباس؛ لأن (سبحان) مكية باتفاق، والمكي لا ينسخ المدني.
قوله عز وجل: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)
قيل: هو منسوخ بقوله عز وجل بعد ذلك: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ)
قال كعب بن عجرة الأنصاري: لما نزلنا الحديبية مرَّ بي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا أطبخ قدراً لي، والقمل يتناثر على رأسي، فقال: يا كعب: لعلك يؤذيك هَوَام رأسك، فقلت: نعم، فقال: احلق رأسك، وننزل: (فَمَنْ كَان مِنْكمْ مَرِيضاً) الآية.