فكان رجال يكتبون، ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى
هذه الآية من سورة براءة (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) ، فظنوا أنها آخر ما أنزل من القرآن، فقال أبى:
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأني بعدهن آيتين:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) .
فهذا آخر ما نزل من القرآن فختم الأمر بما فتح به.
يقول الله جل ثناؤه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) .
وأقول: إن أبَيًّا، رحمه الله، إنما كان يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللخاف، والأكتاف، والعُسُب، ونحو ذلك؛
لا لأن القرآن العزيز كان معدوماً.
وأما قوله: (وصدور الرجال) فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن.
فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علماً؛ ودليل ذلك أنه كان عالماً
بالآيتين اللتين في آخر براءة، ثم لم يقنع بذلك حتى طلبهما، وسأل
عنهما.. غيره فوجدهما عند خزيمة وإنماطلبهما من غيره مع علمه
بهما ليقف على وجوه القراءة، والله أعلم.
قال عبد الله: حدثنا أبو الطاهر، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني
مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، وخارجة، أن أبا بكر الصديق كان قد