Q يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] فكثيراً ما نوافق من يسألون في أبواب المساجد أو في الحرم، وقد يكون جلوسهم وسؤالهم بشكل دائم قد اعتادوا عليه، فهل من المستحب أن نعطيهم لنحقق ترغيب الله في ذلك؟ أرجو التفصيل في ذلك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
صلى الله عليه وسلم أولاً: لابد أن نعرف من هو المحروم؛ لأن كثيراً من العامة يفسرون المحروم بغير معناه الصحيح، كثير من العامة يفسرون المحروم بأنه البخيل الذي حرمه الله من الانتفاع بماله، وليس كذلك؛ وإنما المحروم من حرمه الله المال، وهو الفقير، والسائل: يشمل السائل لفقره، والسائل لحاجة؛ لأن السؤال مِن الناس مَن يسأل لحاجته، ومنهم من يسأل لضرورته، ومنهم من يسأل تكثُّراًَ، ومنهم من يسأل مرضاً والعياذ بالله، فيه مرض يحب السؤال.
فالذين لهم حق هم الذين يسألون لضرورتهم، يعني: إذا علمتَ بأن هذا السائل في ضرورة إلى ما سأل تعرف حاله تماماً، أو لحاجته، إذا عرفت أن هذا يحتاج، ليس هو في ضرورة يعني: أكله وشربه ولباسه وسكنه موجود؛ لكن يحتاج إلى ما يحتاج الناس إليه مثل وقتنا الحاضر: الثلاجة، والمروحة، والمكيف، هذا ليس ضرورياً؛ لكنه حاجة لا شك، فإذا سأل لحاجته وأنا أعرف فإنه يُشرع لي أن أعطيه.
أما إذا سأل تكثُّراً فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من سأل الناس أموالهم تكثُّراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر) فإذا عرفت أن هذا الرجل يسأل تكثُّراً؛ لأني أعرف أنه غني؛ فإنني لا أعطيه، بل إن من حقه عليَّ أن أنصحه، وأن أقول له: اتقِ الله، فإن المسألة كَدٌّ يُكَدُّ بها وجه الرجل، حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، أنصحه؛ لأنني لو أعطيته في هذه الحال لأغريتُه، وشجَّعتُه على أن يسأل بدون حاجة.
فهنا لا نعطيه، بل ننصحه؛ لأنه معتدٍ بسؤاله، والسؤال حرام عليه، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] .
كذلك أيضاً من كان سؤاله مرضاً؛ لأن بعض الناس يحب السؤال، فهو مريض، هذا أيضاً هل الأحسن أن نتابع مرضه، ونأخذ به، أو الأحسن أن نحاول القضاء على مرضه؟ الثاني لا شك.
إذاً: فلنحاول القضاء على المرض، وننصحه، ونقول: هذا لا ينبغي، بل هذا حرام عليك أن تسأل بغير حاجة.
هذه مواقفنا مع هؤلاء السُّؤَّال.
ومن السائلين -والعياذ بالله- من يظهر بمظهر المصاب بعاهة، فتجده لا يتكلم، مع أنه إذا خرج من المسجد صار قس بن ساعدة، يعني: خطيباً مُصْقعاً؛ لكنه في المسجد لا يتكلم، يؤشر إشارة، أو يأتي بأصوات غريبة، ولقد جاء في هذا المسجد رجل منذ سنوات صلى معنا المغرب، وصار يسأل الناس وهو محدق إلى الأرض، كأن في ظهره وجع، لا يستطيع أن يرفع ظهره، ويظهر للناس بهذا المظهر، من صلاة المغرب، وجاء الدرس، وانتهى الدرس، والرجل هكذا محدودب إلى الأرض، جالس ونحن نتوجع له، مسكين! ما يستطيع يرفع ظهره، وإلى أن أقيمت صلاة العشاء، وصلى العشاء، وتفرق الناس وهو على هذه الحال، سبحان الله! يعطيه الله جلداً على هذه الحال! وأقسم لي رجل صدوق ثقة قال: هذا الرجل الذي رأيناه البارحة والله إنه ليقفز قفز الغزلان في الحائط، يقول: رأيته أنا بعيني.
فيوجد بعض الناس والعياذ بالله عنده مرض السؤال، هذا لا ينبغي أن نساعده، بل الذي ينبغي أن ننصحه؛ حتى يتخلص من هذا المرض.