ثم قال تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وهذه الفائدة هي روح الصوم، وهي: تقوى الإنسان لربه عزَّ وجلَّ:- والتقوى: اسم من الوقاية، فهي -أي: التقوى- أن يَتَّخِذ الإنسانُ وقاية من عذاب الله؛ ولكن بماذا يَتَّخِذ وقاية من عذاب الله؟ بفعل الأوامر، واجتناب النواهي.
وقد قيل في تعريف التقوى:
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
يعني: أن تدع الصغائر والكبائر، هذه التقوى.
فالتقوى: أن يقوم الإنسان بما أوجب الله عليه، وأن يدع ما حرم الله عليه؛ لأن هذه هي الوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى.
ومن المعلوم أنه لا أحد يقوم بما أوجب الله عليه إلا وهو عالم به.
إذاً: فالعمل مسبوق بعلم، أليس كذلك؟ ولا يترك شيئاً محرماً عليه إلا وقد سبقه العلم بذلك، وهذا يغني عن قول بعضهم: التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تدع ما نهى الله على نور من الله، تخشى عقاب الله، كل هذه تعاريف؛ لكنها تنصب في هذا المعنى الجامع، وهي فعل الأوامر وترك النواهي.
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: ليس لله إرادة وغرض في أن يعذب الخلق بحرمانهم من الأكل والشرب، إنما الحكمة من الصوم هي: أن يدع قول الزور، والعمل به، والجهل وهو: ليس عدم العلم، الجهل: العدوان على الغير، هذا هو الجهل، كما قال الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالجهل هو: العدوان على الغير.
إذاًَ: من فوائد الصوم: كف النفس عن محارم الله، وإلزامها بطاعة الله.