وفي قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة، وأنها لم تُكَلَّف شيئاً لم تُكَلَّف به الأمم السابقة.
لأن من المعلوم أن في الصوم نوع مشقة؛ ولاسيما في أيام الصيف الطويلة الحارة؛ ولكن الله سلَّى هذه الأمة بأن الصوم قد كتب على مَن قبلَهم.
وهذه فائدة عظيمة؛ لأن الإنسان يتسلَّى بما يصيب غيره، كما أشار الله إليه في قوله عن أهل النار: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] لأن العادة أن الإنسان إذا شاركه غيره في العقوبة هانت عليه العقوبة؛ لكن يقول الله لأهل النار: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] فلن يعين بعضكم بعضاً، ولن يسلي بعضكم بعضاً.
وتقول الخنساء في رثاء أخيها صخر، تقول:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي
وهذا يدل على أن الإنسان يتأسى بغيره، ويتسلَّى به، ففي قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} تسلية لهذه الأمة أن ترى أنها كلفت بأمر شاق، لم تكلف به الأمم السابقة.
الفائدة الثانية: رقي هذه الأمة إلى الخصال الحميدة التي ترقَّى إليها مَن سبقَها.
يعني: أن جميع الفضائل التي سبقت إليها الأمم فإن هذه الأمة ولله الحمد حازتها، لم تُحرم هذه الأمة خصلة من الخصال الحميدة التي وصلت إليها الأمم السابقة.
فهاتان فائدتان عظيمتان في قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} .