فدونكه كتاباً مفصلاً للمسائل المشكلة، وجامعاً من أقوال المذاهب كل شريدة معطلة، حاوياً لما عز وجدانه على الطالبين، ومعدنا خالياً عن بهرجة المبهرجين والناقدين. ومع ذالا آمن من عثار قلمي أو كبيرة أدهمى، أو زلة قدمى. ولا داعى أن الشيخ شهاب الدين قد حط فيما حكاه على الشيخ تقى الدين من أجل حظوظ نفسية، أو عدم اطلاع على المسائل الشرعية. أو أقول: إن الشيخ ابن تيمية لم يخطئ في بعض المسائل الاجتهادية، أو أنه معصوم عن السهو والتهور في كافة المباحث الأصولية والفرعية. بل إنى أحسن في كليهما الظن، وأميط ما أستطعت عن كلاميهما غبار الوهن. وأقول كما فصلته مراراً: إن بعض الأقوال المتقدمة مكذوبة، والبعض الآخر منها لازم المذهب واللوازم غير مطلوبة. ومنها ما هو مذهب الحنابلة كما قد شاع وذاع. ومنها ما هو مجتهد فيه، وللاجتهاد كما لا يخفى عليك أتساع. وأن الشيخ أبا العباس قد بلغ نحو أمثاله في ذلك رتبة الاجتهاد بلا التباس، حاوياً لشروطه المتقدمة في هذا الكتاب فله الثواب على ذلك، ولا لوم عليه أن أخطأ بعد أن بذل الوسع فيما هنالك، إذ مأخذه الكتاب والسنة الفسيحة المسالك.
وأقول: إن الفهامة ابن حجر قد استعجل ولم يتبين عندما أجاب وحرر حتى بدعه ونسب إليه المكفر ثم أستغفر. فليته تتبع كتب ذلك الإمام، وأقواله المسلمة عند ذوى النقض والإبرام، حتى يلوح له الصدق، ويتثبت ليتحصحص الحق، ولا ينتقد عليه المتبعون، أو يغتر بنقله الغافلون، أو يتبع كلامه في الازدراء والتكفير من أهل زماننا الجاهلون، لأنه العلامة المتبع، ومن إذا قال قولا يضاح له ويستمع وعلى العلات أسأل الله تعالى أن يغفر لهذين الشيخين وينفعنا بعلوم هذين الأحمدين في الدارين، ويجزيهما عن شفيعنا ونبينا - صلى الله عليه وسلم - خير الجزاء، ويعفو عن كافة ورثة الأنبياء القاصدين