والله ما سمعته من خصم قط، ولا رايته في كتاب، فعلمت أن ذلك من إمداد الله تعالى الذى بشرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد تبعه كثير من العلماء في مذهبه، منهم القاضي أبو بكر الباقلاني وابن فورك، وأبو أسحق الأسفراييني، وأبو أسحق الشيرازي، وأبو حامد الغزالي، وأبو الفتح الشهرستاني، والفخر الرازي ونصروا مذهبه وناظروا عليه وجادلوا فيه، واستدلوا له في مصنفات كثيرة، وانتشر مذهبه في العراق، وانتقل إلى الشام. فلما ملك صلاح الدين الأيوبي ديار مصر، كان هو وقاضيه صدر الدين الماراني على مذهب الأشعري، ونشا عليه منذ كانا في خدمة المالك العادل نو الدين بدمشق، فحمل الأيوبيون الناس في دولتهم على التمذهب به، فتمادي ذلك في جميع أيامهم، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك، واتفق توجه أبي عبد الله محمد بن تومرت المعروف ((بالمهدي)) إلى العراق، واخذ عن أبي حامد الغزالي مذهب الأشعري، فلما عاد إلى المغرب قام في المصامدة يفقههم ويعلمهم. ولما مات قام بعده خليفته عبد المؤمن صاحب الدولة هناك، ولقب أولاده وشيعته بالموحدين، ولذلك صارت دولة الموحدين تستبيح دماء من خالف عقيدة ابن تومرت، إذ هو عندهم الإمام المهدي المعلوم المعصوم. وكثيراً ما أراق الدماء بسبب ذلك، حتى عم مذهب الأشعري أكثر امصار المسلمين، وكأنه نسي غيره من المذاهب، لم يخالفه إلا الحنابلة، وأنقسم الناس فيه إلى قسمين، كما أن أتباعه أنقسموا إلى قسمين أيضاً.
قال العلامة تقي الدين أحمد المقريزي: وقد أنتشر مذهب الأشعري في الأمصار بحيث نسى غيره، حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه إلا أن يكون مذهب الحنابلة، فإنهم على ما كان السلف لا يرون تأويل ما ورد من الصفات