درجات الزهد يؤذن له؟ فقال الجبائي: لا، لأنه يقال له: إن أخاك إنما وصل إلى هذه الدرجة بحسب طاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات؟ فقال الأشعري: فإن قال ذلك الصغير: التقصير ليس مني، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة؟ فقال الجبائي: يقول البارى جل وعلا: أعلم أنك لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك.
فقال الأشعري: فلو قال الأخ الكافر: يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم رعيت مصلحته دوني؟ فقال الجبائي: وسوست؟ فقال الأشعري: ما وسوست، ولكن وقف حمار الشيخ على القنطرى - يعني أنه أنقطع - وكان فيه دعابة ومزاح كثير.
وقيل: كان حنفي المذهب، ومعتزلي الكلام، وكان المعتزلة قد رفعوا رءوسهم، حتى اظهر الله تعالى الأشعري، ورجع عن الاعتزال، فحجرهم في أقماع السمسم.
وقد روى ابن عساكر بسنده في كتابه ((تبيين كذب المفترى)) كما نقله الكوراني: أن أبا الحسن الأشعري رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فشكا إليه بعض ما به من تعارض الأدلة، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((عليك بسنتي)) . ورآه ثلاث مرات آخر، فقال له في كل مرة ذلك: ((يا علي أنصر المذاهب المروية عني فإنها الحق)) . قال: فقلت - أي في الثالثة - يا رسول الله، كيف أدع مذهباً تصورت مسائله، وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة لرؤيا، فقال لي: ((لولا أعلم أن الله سيمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبين لك وجوهها)) - إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فجد فيه، فإن الله سيمددك بمدد من عنده)) . قال: فاستيقظت وقلت: ماذا بعد الحق إلا الضلال، وأخذت في نصرة الأحاديث، فكان ياتيني شئ