فبعث الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- في الأميين من العرب، وانطلقت دعوته من مكة المكرمة شرفها الله حتى عمت جميع الجزيرة، فلما انقادت الجزيرة لها ودخلوا في دين الله -عز وجل- وقبضها الله إليه، قام أصحابه بهذا الدين، ففتحوا البلاد وأناروا قلوب العباد، حتى أعلى الله دينه تصديقا لقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (?) .
“ بيان حال العرب قبل الإسلام وبعده “
إن المتدبر لحال العرب قبل الإسلام يعلم أنهم في غاية من الضلال، في غاية من الجهل والإعراض، في جهالة جهلاء وضلالة عمياء، لا يعرفون منكرا من معروف، ولا حقا من باطل، متفرقين تسودهم الحروب الطاحنة، يقضي القوي على الضعيف، فهم في غاية من الجهل والضلال كما قال الله لهم: {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (?) .
“ عزة المسلم في التمسك بإسلامه ولا عزة له بسواه “
فلما انقادوا للإسلام واستجابوا لله ورسوله، جمع الله بالإسلام شتاتهم ووحد بهم صفوفهم، وأعزهم به بعد الذلة، وأغناهم بها بعد العيلة، وجعلهم بالإسلام ملوكا على رقاب العباد.
قال قتادة -رحمه الله- في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (?) ، قال: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا، وأبينه جهلا، قوم يؤكلون ولا