ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في (الاقتضاء) (ص 8):
«أخبر سبحانه وتعالى أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض، ثم جعل محمداً - صلى الله عليه وسلم - على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها، ونهاه عن إتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في [الذين لا يعلمون] كل من خالف شريعته , و (أهْواؤهم): هو ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك فهم يهوونه , وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه, ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك، ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم، وأعون على حصول مرضاة الله في تركها، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره فإن «من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه» وأي الأمرين كان؛ حصل المقصود في الجملة، وإن كان الأول أظهر.
ومن هذا الباب قوله تعالى في [الرعد: 36 - 37]:
2 - {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ. وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرعد: 37].
والضمير في [أهواءَهم] يعود - والله أعلم إلى ما تقدم ذكره وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه، فدخل في ذلك كل من أنكر شيئاً من القرآن من يهودي أو