مخلىً في العراء.
ونعلم بالإضافة إلى ذلك أن العرب كانت كُنُفُهم غير مُنَظَّمة وغير محصورة، بل قد كانت كُنُفُهم في أول الأمر خارج الدور، ولذلك جاء في لغتهم استعمال أن فلاناً خرج إلى الغائط، والغائط هو المكان المُنْخفِض؛ لأنهم كانوا يقصدونه لقضاء حاجتهم فيه كي لا تبدو عوراتهم، فَسُمِّي بعد ذلك ما يخرج من الإنسان من النجاسة باسم المكان ألا وهو الغائط.
هذه كانت حياتهم من قبل، فكان الدجاج بالتالي فلتاناً مخلىً داشراً، يأكل مما هب ودب، مع ذلك كانوا يأكلون هذا الدجاج، وقد جاء في صحيح البخاري أن رجلاً كان عند أبي موسى الأشعري لما وضع طعاماً فيه دجاج، فلم يَتَقَدم ذلك الرجل وقال: إنه منتن، قال أبو موسى: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكُلُه.
نستفيد من هذا النص شيئين اثنين: الشيء الأول: أن أبا موسى أَقَرَّ الرجل على قوله: إنه منتن، الشيء الثاني: أن الرسول أكل هذا المُنْتِن.
والسر في ذلك: أن النجاسة التي تُؤْكَل عادةً من بعض الحيوانات تتحول في المعدة إلى شيء آخر، وربما لا يتحول، لكن الشارع الحكيم الرؤوف الرحيم لرفع الحرج عن المسلمين أباح لهم مثل هذا الحوين في الدجاج، أقول: الحوين لكي نشير إلى أنه لم يُبِح لهم أكل الحيوان من الشياه والأبقار والإبل التي كانت تأكل الجِلَّة وهي داشرة فلتانة إلا بعد أن تُمْسَك وتُحْبس أياماً بعلف الطعام النقي الطاهر، حتى يتحول لحمُها إلى لحمٍ طيب.
فإن افترضنا بأن الدجاج مع أكله للقاذورات وللنجاسات لا تتحول هذه النجاسة إلى شيء آخر، وقد رخص الشارع في أكل هذا الحوين دون حبس، كما هو الشأن في الحيوانات الأخرى.
على ذلك نقول نحن: إذا أراد رجل أن يصنع علفاً للدجاج مُرَكَّباً من بعض المحرمات أو النجاسات، ويقدِّمها غذاءً للدواجن من جنس الدجاج فله ذلك، ولا