العلم عنه والتفسير، ولعلهما تلقيا منه تفسير آية الحج هذه؛ فقد قال عطاء: عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أنه قال في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}، قال: «التفث: حلق الرأس، وأخذ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة». أخرجه ابن جرير أيضاً، وإسناده صحيح. ورواه ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن عطاء بن أبي رباح قال: «كانوا يحبون أن يعفوا اللحية؛ إلا في حج أو عمرة. وكان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته».
وإسناده صحيح أيضاً. وإذا عرفت ما تقدم من هذه الآثار المخالفة لحديث الترجمة؛ فالعجب كل العجب من الشيخ التويجري وأمثاله من المتشددين بغير حق، كيف يتجرأون على مخالفة هذه الآثار السلفية؟ ! فيذهبون إلى عدم جواز تهذيب اللحية مطلقاً؛ ولو عند التحلل من الإحرام، ولا حجة لهم تذكر سوى الوقوف عند عموم حديث: « ... وأعفوا اللحى»، كأنهم عرفوا شيئاً فات أولئك السلف معرفته، وبخاصة أن فيهم عبد الله ابن عمر الراوي لهذا الحديث؛ كما تقدم، وهم يعلمون أن الراوي أدرى بمرويه من غيره، وليس هذا من باب العبرة بروايته لا برأيه؛ كما توهم البعض، فإن هذا فيما إذا كان رأيه مصادماً لروايته، وليس الأمر كذلك هنا كما لا يخفى على أهل العلم والنهى؛ فإن هؤلاء يعلمون أن العمل بالعمومات التي لم يجر العمل بها على عمومها هو أصل كل بدعة في الدين، وليس هنا تفصيل القول في ذلك، فحسبنا أن نذكر بقول العلماء وفي مثل هذا المجال؛ «لو كان خيراً؛ لسبقونا إليه». أضف إلى ما تقدم أن من أولئك السلف الأول الذين خالفهم أولئك المتشددون ابن عباس ترجمان القرآن الذي يحتجون بتفسيره؛ إذا وافق هواهم، بل وجعلوه في حكم المرفوع؛ ولو لم يصح السند به إليه، كما فعلوا بما روي عنه في تفسير قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} قال: «يبدين عيناً واحدة»! ثم تراهم هنا لا يعبأون بتفسيره لآية «التفث» هذه، مع ثبوته عنه وعن جمع من تلامذته، وقول ابن الجوزي في «زاد المسير» «5/ 426 - 427»: بأنه أصح الأقوال في تفسير الآية. والله المستعان.