لبعض الكتاب المعاصرين وسلفهم فيه ابن حزم ...
ثم قلت ص 48 - 49: وأما أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على الجاريتين - فحق ولكن كان ذلك في يوم عيد فلا يشمل غيره. هذا أولا.
وثانيا: لما أمر - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بأن لا ينكر عليهما بقوله: «دعهما» أتبع ذلك بقوله: «فإن لكل قوم عيدا ... » فهذه جملة تعليلية تدل على أن علة الإباحة هي العيدية - إذا صح التعبير - ومن المعلوم أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما فإذا انتفت هذه العلة بأن لم يكن يوم عيد لم يبح الغناء فيه كما هو ظاهر ولكن ابن حزم لعله لا يقول بدليل العلة كما عرف عنه أنه لا يقول بدليل الخطاب وقد رد عليه العلماء ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من مجموع الفتاوى فراجع المجلد الثاني من فهرسه.
لقد طال الكلام على حديث عائشة في سماع الغناء ولا بأس من ذلك إن شاء الله تعالى فإن الشاهد منه واضح ومهم وهو أن ملاحظة طالب العلم إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر ما يفتح عليه بابا من الفقه والفهم ما كان ليصل إليه بدونها وهكذا كان الأمر في حديث القليب.
والخلاصة: أن خطأ ابن حزم إنما نشأ من توهمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر إنكار أبي بكر على الجاريتين مطلقا وليس من إقراره - صلى الله عليه وسلم - للجاريتين وذلك لأنه هذا إنما يدل على إباحة مقيدة بيوم عيد كما تقدم وبالدف وليس بكل آلات الطرب وبالصغار من الإناث كما صرح به العلماء قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس 1/ 239: والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن لأن عائشة كانت صغيرة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرب إليها الجواري فيلعبن معها (?).
ولهذا فإني لا أظن أن ابن حزم كان يعمم الحكم لولا ذلك الوهم ويؤيد ظني حديث التسريب المذكور فقد تبناه في دلالته الخاصة ولم يعممه فقال في المحلى 10/ 75 - 76: «وجائز للصبايا خاصة اللعب بالصور ولا يحل لغيرهن ... »
قلت: وهذا هو الفقه الذي يقتضيه الجمع بين النصوص كالعام مع الخاص هنا