الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحاً صريحا أن يخضعوا له، وأن يعملوا به، فكيف هم يعكسون الأمر ويزعمون بأن هذا الحديث كان تحت بصر الأئمة ثم لم يعملوا به، هذا شيء، وشيء آخر: لقد أنكر الإمام الشافعي رحمه الله على رجل قال له: أنت تقول كذا، حسب ما جاء في الحديث، وفلان من العلماء المعروفين في ذاك الزمان يقولون بخلاف قولك، يقول له مستنكراً بصيغة استنكار شديدة جداً، يقول له: «أتراني قد خرجت من الكنيسة! ! أتراني أشُدُّ الزنار من وسطه حتى أدع العمل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول فلان وفلان! ! » هذا شيء وشيء، قول الإمام الشافعي أيضاً: «ما من مسلم إلا وتخفى عليه سنّة من سنّة النبي - صلى الله عليه وسلم - فمهما أصّلت من أصل، أوقلت من قول، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخذوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - ودعوا قولي»، أو قال: «فاضربوا بقولي عرض الحائط» هذا هو موقف العلماء. والذين يقولون بأن هذا الحديث كان تحت بصر العلماء، ومع ذلك لم يأخذوا به، إنما يتهمونهم في دينهم وهم يشعرون أو لا يشعرون ما أدرى، لعلهم يريدون أن ينقذوا أنفسهم من المخالفة في طريق أن يرموا الأئمة في المخالفة حتى تبرأ ذمتهم بزعمهم من العمل بهذا الحديث الصحيح.
خلاصة الكلام: هب أن هذا الحديث أو أي حديث آخر كان تحت بصر إمام أو أئمة من أئمة المسلمين، هل يجوز لمن بلغه هذا الحديث الذي يُقطع بأنه كان قد علم به بعض علماء المسلمين ولكنه لرأي له، لاجتهاد له لم يعمل به، أفيجوز لمن ثبت عنده وثبت وجوب العمل به أن يدع الحديث لأن فلاناً وفلاناً من العلماء لم يأخذوا بهذا الحديث؟
الجواب أيضا معروف من كلمات الأئمة الأربعة، والتي منها، وقد اتفقوا عليها: «إذا صح الحديث فهو مذهبي».
ومعلوم بصورة تفصيلية من رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى، وهي التي طبعت مراراً وتكرارا بعنوان: «رفع الملام عن الأئمة الأعلام»، فإن الباحث في السنَّة، والباحث في أقوال الأئمة الأربعة فضلا عن غيرهم يجد كل واحد منهم قد ترك العمل بحديث ما، ونستعير العبارة التي نقلها آنفاً لكي نضعها