لو سُلِّمَ لهم هذا الجهل، ولم يكن عندنا علم آخر، وهو أن بعض السلف قد عمل بهذا الحديث، ألا وهو حذيفة بن اليمان وهو راوي الحديث، حيث أنكر -وعلى صحابي جليل- وأصحابه من التابعين وهو عبد الله بن مسعود الذين كانوا يعتكفون في بعض المساجد، أظن في البصرة، فاحتجّ حذيفة على هؤلاء المعتكفين بأنه سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث الصحيح: «لا اعتكاف إلا بالمساجد الثلاثة».
فإذاً: قد أثبتنا العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث، وأثبتنا أيضا أن بعض السلف عمل بهذا الحديث، وأنكر تماما كما ننكر نحن اليوم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة.
وقبل أن أننتهي من الكلام أو التعليق على هذا الحديث، لقد كان من عواقب فتح باب الاعتكاف في كل مسجد أن ظهرت بدعة عامَّة في كثير من البلاد؛ حيث يُكتب على قطع من الورق بخط كبير، تعليما للداخلين إلى المسجد: «نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه»، من أين جاءت هذه البدعة؟ من فتح باب الاعتكاف في كل مسجد.
ثم أُرِيد أن ألفت النظر، نظر هؤلاء الرِّيبيين والشكاكين في هذا الحديث، وفي من عمل به من السلف، هل الاعتكاف المشروع مشروع في كل مسجد سواء كان مسجدا جامعا أو كان مسجدا غير جامع، أو كان مصلىً أو كان داراً؟
فما كان جوابهم عن هذا السؤال فهو جوابنا، وعندنا حيطة نستند فيها إلى حديث «لا اعتكاف»، فإذا قال قائلهم -مثلاً- سيقول الكثيرون -ولعل فيكم بعض الحاضرين- سيقولون: لا يجوز الاعتكاف في البيت، سنقول له ما الدليل؟ أعندك نهي من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الاعتكاف في الدار؟ لا شيء من ذلك إطلاقاً، ثم نرتقي درجةً فنقول ما رأيك في الاعتكاف في .. -ولو أنني خالفت بعض الآداب التي يذكرها بعضهم- ما تقول في الاعتكاف في مُسَيْجِدْ؟ لأنهم يقولون لا يجوز تصغير مسجد إلى مُسَيْجِدْ، لكن بدل أن أقول: ما قولك في الاعتكاف في مسجد صغير فأقل-لأنه لا نهي في ذلك-: ما قولك في الاعتكاف في مُسَيْجِدْ، سيقول