وهنا قلت من قريب ومن بعيد إن الله عزّ وجلّ تعهد للمسلمين أن يحفظ لهم دينهم بحفظ الكتاب والسنَّة الصحيحة، ولم يتعهد لهم أن يحفظ لهم في كل حديث من عَمِلَ به من المسلمين.
وهذا ما صرّح به الإمام الهاشمي القرشي المطّلبي الإمام الشافعي في رسالته المسمّاة بهذا الاسم «الرسالة»، قال: «الحديث أصل في نفسه»، فإذا ثبت الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت دلالته واضحة وجب العمل به لأنه أصل في نفسه، ولا نتوقف عن العمل به حتى نجد من سَبَقنا إلى العمل به.
نعم أنا مقتنع تماماً أن الحديث إذا كان يحتمل أكثر من وجه في معناه فهنا لابد لطالب العلم من أمثالنا أن يجد من سبقه إلى تفسير الحديث بالفهم الذي هو يجنح إليه حتى يكون ذلك له مستنداً في أنه لم يسئ فهم الحديث، أما إذا كان الحديث واضح المعنى جليا كالمبنى فحينئذ لا حاجة للمسلم أو لطالب العلم أن يتوقف عن العمل بالحديث لأنه أصلٌ في نفسه.
فحديثنا هذا -ولعل بعضكم سمعه- وهو قوله عليه السلام: «لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد» فهو على وزان الحديث المعروف، والمعروف عند كثير من المسلمين، والمجهول عند آخرين منهم، إما أن يكون مجهولاً روايةً ودرايةً وإما أن يكون مجهولاً درايةً ومعروفاً روايةً، ألا وهو حديث: «لا تُشَدُّ الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد»، على وزان هذا الحديث جاء الذي نحن في صدد الكلام حوله: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» وذكرها.
القول بأن هذا الحديث لا يجوز العمل به لأنه لم يعمل به أحد من السلف، فهذا تعطيل للعلم بالجهل، العلم هنا كما ابن قيم الجوزية رحمه الله
العلم قال الله، قال رسوله، قال الصحابة، ليس بالتمويه ... إلخ
العلم قال الله، قال رسوله، فإذا: نحن ما نقول رأيا من عندنا، وإنما نقول قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «لا اعتكاف إلا بالمساجد الثلاثة»، هذا علم، بماذا رُدّ هذا العلم؟ بقول من سمعتم الإشارة إليهم: «لا نعلم»، قولهم: «لا نعلم» جهلٌ، لا نعلم من عمل بهذا الحديث، هذا