فعلى هذا؛ فمعنى الآية: فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل؛ عبر عن الصلاة بالقراءة، كما عبر عنها بسائر أركانها. قاله الآلوسي الحنفي في «روح المعاني».

فالآية من إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهذا منه كثير في نصوص الشرع؛ كقوله تعالى: {وَقُرْآنَ الفَجْرِ} أي: صلاة الفجر. ثم قال الآلوسي: «وقيل: الكلام على حقيقته؛ مِنْ طلب قراءة القرآن بعينها. وفيه بُعْدٌ عن مقتضى السياق». اهـ.

وقال ابن نصر رحمه الله: «وقد احتج بعض أصحاب الرأي في إيجاب القراءة في الصلوات المكتوبات «بهذه الآية»؛ فأسقطوا فرض قراءة «الفَاتِحَة» متأولين لهذه الآية، فقالوا: إنما عليه أن يقرأ مما تيسر من القرآن، ولا عليه أن لا يقرأ بـ: «فاتحة الكتاب». ثم ناقضوا؛ فقالوا: لا بد أن يقرأ بثلاث آيات فصاعداً، أو بآية طويلة نحو: آية الدين، أو آية الكرسي، فإن قرأ بآية قصيرة نحو: {مُدْهَامَّتَانِ}، و {لَمْ يَلِدْ}؛ لم يجز، وليست هذه الآية من القراءة في الصلوات المكتوبات في شيء؛ إنما أنزلت الآية - على ما أعلمتك - بقيام الليل، وإنما أخذت القراءة في الصلوات المكتوبات عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كما أخذ عدد الركوع، والسجود، وسائر ما في الصلاة عن النبي عليه السلام، ويقال لهم: خبرونا عمن لم يتيسر عليه قراءة شيء من القرآن في الصلاة، ولم يخف؛ هل توجبون عليه أن يتكلف مقدار ما حددتم؛ من قراءة ثلاث آيات، أو آية طويلة؛ وإن ثقل ذلك عليه، ولم يتيسر؟ ! فإن قالوا: نعم. قيل: من أين أوجبتم عليه قراءة ما لم يتيسر عليه، وإنما أمره الله بقراءة ما تيسر في زعمكم؟ ! ويلزمكم أن تجيزوا للمصلي إذا افتتح الصلاة أن يقول: «ألف» ويركع، ويقول: لم يتيسر علي أكثر من ذلك. فإذا أجازوا ذلك؛ خالفوا السنة، وخرجوا من قول أهل العلم». اهـ[بتصرف].

قلت: وهذا الإلزام الأخير لهم أن يجيبوا عنه بقولهم: إن قول المصلي: «ألف».

ليس بقراءة عرفاً؛ فلا تشمله الآية، فلا يلزمنا ما ذكرتَ.

وأما الإلزام الذي قبله؛ فهو إلزام قوي، لا جواب لهم عليه.

الوجه الثاني: سلمنا - جدلاً - أن الآية واردة في تقدير القراءة - كما زعموا -؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015