وأحمد، وجمهور العلماء؛ من الصحابة والتابعين ومن بعدهم - كما في «المجموع» «3/ 327» -، واحتجوا بهذا الحديث، وبالحديث الذي قبله، وقالوا: إن المراد به: نفي ذات الصلاة أو صحتها، لا: كمالها، وأيدوا ذلك باللفظ الآخر: «لا تجزئ». فنفى إجزاءها؛ وهو المراد.
وخالف في ذلك أبو حنيفة، ومحمد فقالا بوجوب قراءة «الفَاتِحَة»؛ لا فرضيتها - بناءً على اصطلاحهم في التفريق بين الواجب والفرض -، وقالوا بصحة الصلاة بتركها، وأجابوا عن الحديث بأن المراد به: نفي الكمال؛ أي: لا صلاة كاملة.
وأجاب الجمهور بأنه خلاف الحقيقة، وخلاف الظاهر والسابق إلى الفهم، وأجابوا أيضاً عن الحديث الثاني بما ذكرناه عن ابن عبد البر - وسمعت الجواب عنه -، وقالوا: إن فرض القراءة التي لا تصح الصلاة إلا بها: ثلاث آيات قصيرات. وفي رواية عن أبي حنيفة: آية واحدة؛ ولو نحو قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ}. واحتجوا على ذلك بقوله: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ}.
وفي هذا الاستدلال نظر من وجوه: الأول: أن الآية وردت في قيام الليل؛ لا في تقدير القراءة - كما هو المتبادر من سياق الآية -؛ قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ. .. } الآية.
ويدل لذلك أيضاً سبب نزولها؛ وهو ما أخرجه مسلم «2/ 168 - 169»، وابن نصر «2 - 3» وغيرهما في حديث عن سعد بن هشام بن عامر - عن عائشة - قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: ألست تقرأ: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ}؟ قلت: بلى.
قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة؛ فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف؛ فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. .. الحديث.