بن عفان استدعي بتلك الصحف من عند أم المؤمنين حفصة، ورتب سورها على العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جبريل في آخر سنيه السنية، فإنه كان يُعارضه بما أوحاه إليه في كل رمضان مرة، فلما كان آخر رمضان صامه، الذي أنزل عليه فيه القرآن، عارضه مرتين (?) فكان ذلك إشارة إلى انقضاء عمر سيد الثقلين، / فكتبه أمير المؤمنين عثمان بن عفان على العرضة الأخيرة منهما، وألزم الناس أن يقرءوا على رسم ما رسمه في المصحف الإمام، وأنْفَذَ به نُسخاً إلى بقية الأمصار الكبار، ليقتدي بها الأنامُ ما بقيت الأيام.
فقابلت الأمة ذلك بالسمع والطاعة، وحرقوا عن أمره بقية المصاحف المخالفة لتلاوة الجماعة، وكانوا قد تآلبت (?) تلاوتهم، وخطاً بعضهم بعضاً، حتى كثرت القالة والشناعة، فأشار حذيفة بن اليمان على عثمان بما اعتمده من هذا الصنيع الذي لم يسبق إليه ولا يُلحق فيه، وقد أمر بمتابعته والاقتداء به صاحب الشفاعة. وودَّ علي بن أبي طالب في أيامه أن لو كان صاحب ذلك لو قُدِّر له أو قَدَر عليه، وقد بسط بفضل عثمان كف الضراعة (?) وقد أخذ التابعون لهم بإحسان عنهم تلاوة القرآن قَرْنًا بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، وخلفاً عن سلفٍ إلى هذا الأوان.