العيش، ويكتب في البلدان المختلفة الحديثَ الواحد من عشرين طريقًا وأكثر. ولَعَمري، إن هذا مطلوب، لكن يفوت به ما هو أهمّ منه، فكم بين محدّث جمع طرق قوله: "أسلمُ سالَمَها اللَّه، وغِفار غفرَ اللَّه لها" وبين من اقتصر من ذلك على طريق صحيح، وصرف باقي الزّمان إلى الفقه. ولقد فات أكثرَ المحَدّثين بطلبهم الشاذَّ والطُّرُقَ ما هو أهمّ من علوم الحديث والفقه، ثم قد حصل هذا المقصود بأقوام فرغوا منه (?) وبيّنوه، كيحيى بن معين وغيره من العلماء. قال: وإن تركْتُ الكُلّ فكيف يحسن بفقيه الّا يعرفَ حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكيف أعتمد على حديث أُفتي به ولا أدري (?) من رواه، ولا أعلم صحّته من سُقمه.
فلما رأيتُ صِدْقَ طلبه، سكَّنْتُ انزعاجه، وضَمِنتُ له حاجَه، وقلت له: سأختصر لك الطريق، وأسألُ اللَّه التوفيق.
قال: فأخبِرني كيف تجمع هذا المتفرّق؟ وكيف تلفِّقُ المتمزّق؟ وصِفْ لي تَصنيفك لأعرف مغزاه، فأسلو عما سواه. فرأيتُ من شُكر النّعَم إجابة هذا الطالب بـ: نعم.
* فصل:
اعلم أنه قد كان كلام نبيّنا -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحفظ ولا يُكتب، ثم رخّص لأصحابه أن يكتبوا لمّا كثرت الأحاديث، وأخذ العلماء في جمعها في الكتب وتصنيفها، واختلفوا في المبتدىء بتصانيف الكتب على ثلاثة أقوال: أحدها: عبد الملك بن جُرَيج (?). والثاني الربيّع بن صَبيح (?). والثالث سعيد بن أبي عَروبة (?)، وأوّل من صنف مسندًا، وتبعه نُعيم بن حمّاد (?)، ثم صُنِّفَت المسانيد.
قال أبو عبد اللَّه الحاكم: أوّل (?) من صنّف المسند على تراجم الرجال عُبيد اللَّه بن