مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمدُ للَّه الذي قدّم كتابَنا على الكتب، وكلّها قديم، ونبيَّنا على الرُّسل، وجميعُهم كريم، وأمّتَنا على الأمم، فنحن الآخرون السابقون بالتّقديم. ولقد أعطانا كلَّ سُؤل برسولٍ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} صلّى اللَّه عليه وعلى أصحابه وأزواجه وأتباعه على الصّراط المستقيم، وسلِّم عليهم بأكرم تحيّة وأشرف تسليم.

أما بعد، فإن جماعة من أصحابنا الفقهاء أحبّوا الاطّلاع على حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورأوا الأحاديث متكرّرة في الكتب، وألفاظها تنقص وتزيد، فقال لي بعضهم: قد أدركَتْني الحَيرةُ فيما أعتمدُ عليه من الكُتب، فإن اعتمدتُ على "موطّأ مالك" فقد فاته كثير من الأحاديث، وإنْ عوّلتُ على "مسند الإمام أحمد" رأيتُ الحديث الواحد يتكرّر فيه مرارًا، تارة باللّفظ والإسناد، وتارة بتغيير رجلٍ في الإسناد فحسب، مثل أن يقول: حدّثنا وكيع عن الأعمش. . .، فيسرد الحديث الطويل، ثم يقول: حدّثنا يزيد بن هارون عن الأعمش. . .، فيعيده بعينه. وتارة بتقطيع الحديث، فيؤتى ببعضه في مكان، وبكلّه في مكان. ثم قد فات "المسند" أحاديث لم تُذكر فيه أصلًا، مثل حديث أمّ زرع وغيره. قال: وإن اعتمدْتُ على "صحيح البخاريّ" فما يفي بكلّ الأحاديث، وكذلك "صحيح مسلم"، ثم قد ذكرَ هذا ما لم يذكر هذا، ثم إن البخاريّ يقطِّع الحديث على الأبواب، ويأتي في كلّ بابٍ بكلماتٍ منه يحتجّ بها، ويعيده في مواضع كثيرة، فقد ذكر حديث أبي سفيان وهرقل في عشرة مواضع (?)، وحديث الألف دينار التي رُميت في البحر في سبعة مواضع (?). وفي "صحيح مسلم" تكرار، وفي كتاب "الترمذي" اقتصار، لأنه يذكر من الباب حديثًا واحدًا أو حديثين، وكذلك كتب "السنن". والجمعُ بين الكلّ يصعب، فكم قد ذهبت في ذلك أعمارُ المحدّثين، حتى إنّ أحدهم يسافر السّنين، ويصبِر على فراق الأهل وخشونة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015