فالعدل واجب في جميع الأمور، والإحسان قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبا، ففي الحكمِ بين الناس والقَسْمِ بينهم مَا ثَمَّ إلا العدلُ، والعدل بينهم إحسان إليهم، وفيما بين الناس وبينهم مستحبّ له الإحسان إليهم، بفعل المستحبات من الابتداء بالإحسان الذي ليس بواجب، والعفو عن حقوقه عليهم، ويدخل في قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)) (?).
ونكتة هذا الكلام أن يفرق الإنسان بين العدل الذي هو الغاية، وليس بعده إحسان، وهو العدل بين الناس، وبين العدل الذي فوقه الإحسان، وهو العدل مع الناس. الأول: حقُّ الخلقِ عليه، والثاني: حقّ له عليهم. فلِكلٍّ منهما على صاحبه العدلُ، فعليه أن يُوفِّيهم العدل الذي عليه، وليس عليه أن يستوفي العدل (?) منهم، بل قد يستحب له الإحسان بتركه.
ومن العدل الواجب- كما قررته في غير هذا الموضع- أن الظالم لا يجوز أن يُظلَم، بل لا يُعتدَى عليه إلا بقدر ظلمه، كما قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) (?)، وقال: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (?)، وقال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا