يَجْمَع، فعُلِمَ أن ذلك لم يكن لمجرد السفر بل للسَّيْر، كما قال ابن عمر وغيرُه: كانَ إذا جدَّ به السَّيْرُ فَعَلَ ذلك، مع أن النزول ممكنٌ ليس فيه إلا تفويتُ الإسراع الذي لا يفوت به الحج إلا أمر مستحب لا يفوت به واجب، فإنه لو نزلَ وصلَّى العصرَ ثم ركِبَ وأتمَّ الوقوفَ كان ممكنًا، لكن يفوت بذلك كمالُ مقصود الوقوف والإفاضة. فعُلِمَ أن الجمع كان لتحصيل مصلحة شرعية راجحة، لا لمجرد مشقة دنيوية.

وإذا كان قد جمعَ لتحصيلِ عبادةٍ هي أفضلُ من التفريق من غير أن يكون ذلك واجبًا ولا ضررَ فيه= عُلِمَ أن الجمعَ يجوز للحاجة والمصلحة الشرعية الراجحة. وقد نصَّ أحمد على جواز الجمع للشغل، وفسَّره القاضي بما يُبيح تركَ الجمعة والجماعة. ونصَّ على جَمْعِ المستحاضة بالغسل، وليس فيه إلا مصلحة شرعية راجحة.

ومما يُبيِّن ذلك أن الجمع لو كان معلَّقًا بسبب محدودٍ يدور معه وجودًا وعدمًا كالقَصر والفطر، لكان الشارعُ يُعلِّقه به، كما علَّقَ الفطرَ بالمرض والسفر بقوله: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) (?)، وكما علَّق القصر بالسفر دون المرض بقوله: "إنَّ الله وضعَ عن المسافر الصومَ وشَطْر الصلاة" (?).

وأما الجمع فإنما وقعَ من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بافعالٍ فَعَلَها في أول الوقت، وتارةً يُؤخِّرها، وكان التأخير أحبَّ إليه إلا إذا شَقَّ عليه، فإذا اجتمعوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015