وأما أصل مجيئه فإنما كان لأن قوماً من أهل العراق من الشيعة كتبوا إليه كتبًا كثيرة يشتكون فيها من تغيُّرِ الشريعة وظهور الظلم، وطلبوا منه أن يقدمَ ليبايعوه ويعاونوه على إقامة الشرع والعدل، وأشار عليه أهلُ الدين والعلم- كابن عباس وابن عمر وابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- بأن لا يذهب إليهم، وذكروا له أن هؤلاء يَغُزُونَه، وأنهم لا يُوفُون بقولهم، ولا يَقدِر على مطلوبه، وأن أباه كان أعظمَ حرمةً منه وأتباعًا ولم يتمكَّن من مرادِه. فظنَّ الحسين أنه يَبلُغ مرادَه، فأرسلَ ابنَ عمّه مسلم بن عَقِيل، فاَوَوه أوّلاً ثمَّ قتلوه ثانيًا، فلما بلغَ الحسينَ ذلك طلبَ الرجوعَ، فأدركَتْه السريَّةُ الظالمةُ، فلم تُمكِّنْه من طاعة الله ورسوله، لا من ذهابه إلى يزيد، ولا من رجوعِه إلى بلدِه ولا إلى الثَّغْر. وكان يزيدُ لو يجتمعُ بالحسين من أحرصِ الناس على إكرامِه وتعظيمه ورعايةِ حقِّه، ولم يكن في المسلمين عنده أجلُّ من الحسين، فلما قتله أولئك الظَّلَمة حَملُوا رأسَه إلى قدّام عبيدِ الله بن زياد، فنكَتَ بالقضيب على ثناياه، وكان في المجلس أنس بن مالك فقال: إنك تنكتُ بالقضَيب حيثُ كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقبِّلُ. هكذا ثبتَ في الصحيح (?)، وفي المَسند (?) أن أبا بَرْزَةَ الأسلمي كان أيضًا شاهدًا. فهذا كان بالعراق عند ابن زياد.
وأما حملُ الرأس إلى الشام أو غيرها والطوافُ به فهو كَذِبٌ، والروايات التي تُروَى أنه حُمِلَ إلى قُدَّام يزيدَ ونكتَ بالقضيب=