وأما التُّهَم، وهو إذا ما قُتل قتيل لا يُعرف قاتِلُه، أو سُرِق مال لا يُعْرف سارِقُه؛ فالحكم في هذا على وجهٍ آخر. فإنه لو حُلِّفَ المتّهمُ وسُيِّب، ضاعت الدماء والأموال، وكذلك لو كُلِّف المدَّعي بالبينة، فإن القاتل لا يفعل ذلك غالبًا قُدَّام أحد.
ولو كان كلُّ من اتهمه صاحبُ الدمِ والمالِ يُضْرَب، لكان يُضْرَب الصالحون، وأهلُ البرّ والتقوى، والعلماءُ والمشايخ، والقضاة، والأمراء، وكلُّ أحدٍ بمجرَّد دعوى المتَّهم. وهذا ظلم وعدوان، فإنَّ الظلم لا يُزال بالظلم.
بل الاعتدال في ذلك: أن يُحبس المتّهم الذي لم تُعلَم براءتُه، فقد روى بَهْزُ بن حكيم عن أبيه عن جدِّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَبَس في تهمة.
وهذا حديث ثابت، وقد عمل به الأئمة وأتباعُهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم -رضي الله عنهم-.