وذلك لأن الحق كان متجليًا نفسه لنفسه، ثم لما نزلت الحلية من كانه إلى شأنه تجلَّى للأعيان المشهودة له، وأعظمها حقيقة النبوة التي هي الإنباء والإخبار عن الوجود المطلق الذي كان في كانه.
فهذه النقطة هي في مشهوداته مطابقة لعلمه بذاته. ولهذا كانت صورة علم الحق بنفسه المطابقة للصفة المعلومية لأنه كان يعلم نفسه، وتجلَّى لهذه النقطة كما تجلَّى لنفسه، فصار شهودُها له مطابقًا لشهوده لنفسِه، ولهذا قال: فصارت مرآةً لانعكاس الوجود المطلق محلاًّ لتميّز صفاته القديمة.
لأن الذي كان في كانه من تجليه لنفسه بوحدته المطلقة ليس فيه عندهم صفات متميزة ولا أسماء، وهذا متفق عليه بين الاتحادية أنه الحق عندهم في نفسه، ليس له اسم ولا صفةٌ أصلاً. وهذا وإن كان مطابقًا لقوله غالية الصابئة الفلاسفة والباطنية الذين يقولون: الحق الأول ليس له اسمٌ ولا صفةٌ، ولا يقولون: هو عالم ولا قادر ولا موجود، ولا يقولون: يعلم ولا يقدر ولا غير ذلك، فأولئك إذا حكى عنهم أنه يجعلونه عينَ مخلوقاته، فإن كان أولئك يجعلونه ساريًا في المخلوقات فقولهم هو قول هؤلاء الملاحدة. وهذا صحيح، فإني وقفتُ على مقالة غلاةِ الإسماعيلية والنصيرية في كتبهم التي يَضنُّون بها إلاّ على خواصّ أكابرهم، فرأيتهم يصرِّحون فيها بنفي الصانع الخالق وجحوده بالكلية، كالمذهب الذي ذكره الله عن فرعون وحِزبِه، وعن الذي حاجَّ إبراهيم في ربّه. وهكذا حكى عنهم من وقف على سرّ دعوتهم، كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني والقاضي أبي يعلى والقاضي أبي بكر ابن العربي، وقد ذكر كلامهم