الوجه الثالث: أنّا لم نحكم إلاّ ببطلان تأويل أهل الكلام المخالف لأهل الحديث، فإذا قلتم بإبطال أو بتحريم التأويل الخالي عن الدليل والقواعد لم يكن هذا نفيًا لوجود ما أبطلناه، لأنه يمكن أن يقال: هذا التأويل الذي رفعناه خليٌّ عن الدليل والقواعد، فإنا أبطلنا نوعًا من التأويل، ووافقتم على إبطالِ نوع منه. فإن قلتم: هذه التأويلات جارية على الأدلة والقواعد، نازَعْناكم فيها.
فحاصله أن ما ذكرتموه لا يَصلُح مستندًا لمنع أن يكون أهل الحديث خالفوا المتكلمين في أعيان التأويلات.
الوجه الرابع: قولكم "إن التأويل المقرون بدليلٍ الجاري على القواعد العلمية صحيح"، لا نُنازِعُكم فيه، وإنما الشأنُ في تقريرِ الدليلِ المصحِّح للتأويل وتثبيتِ القواعد المحقِّقة له، فإنكم تعلمون أن جميع أهل التأويل من القبلة لهم قواعدُ يضعون تأويلاتهم عليها.
ثمَّ هذا القدر لا يَصلُح أن يكون سندًا لقولكم "لا نُسَلِّم أنّ أهلَ الحديث منعوا تأويلَ المعتبرين من المتكلمين" كما تقدم، والغرضُ هنا أنّ القول بالموجب لا يتوجه. وأما تقرير مذهب أهل الحديث فليس هذا موضعَه، لأنّا بعدُ في تحرير الدعوى وما يَرِدُ عليها.
قولكم: "لا أسلِّم أن معتبرًا حرَّم تأويلاً يَشهدُ العقلُ بصحته عند الحاجة إليه، لعالم متبحرٍ لا يرضى بأَسْر التقليد، ولا يرى أن يَستعمل في كشف الحقائق نورَ البصيرة الذي هو من أجلّ نعم الله على العبيد".
فنقول أوّلاً: مَن الذي حكى عن أحدٍ من الناس تحريمَ مثلِ