وصَار كثير من طلبة العلم وأذكياءُ المباحثين يقفون على أقسام محصورةٍ وأمثال مَسْبورةٍ في كلام كثير من الآخرين، فتُوجبَ حُسْنَ الظنّ بعقولٍ تُدرِك تلك المطالب، وافتقارَ رجالٍ ذهبوا تلك المذاهب، وإن كانوا للسلف مخالفين، إذ ليس عندهم من السلف إلاّ أسماءٌ مستطيرة وكلمات ليست بالكثيرةِ المعتبرة. ولولا أُبَّهةُ الإسلام في قلوبهم لعدُّوهم من العَمِيْنَ، وإن كان في الناس مَن يَعتقد هذا أو يتوقف فيه، وإنما سببه ضعف آثار المرسلين.
وإذا قيل "أهل الحديث" ذهبتْ أوهامُهم إلى قومٍ من الرواة وضَرْب من النساخ والمستمعين، وإن رفعوا البابةَ إلى قومٍ من الحفّاظ لبعض الأسماء واللغات إذا حدَّثوا، وظهر من الجهل والظلم اللذين وصف الله بهما الإنسان ما أوجبَ نقصَ العلم والدين. فهذا وأمثالُه أسباب لما قضى به قدر الله في العالمين.
ثم مع ذلك فللهِ في كلِّ زمانِ فترةٍ من الرسُلِ -كما قال الإمام أحمد (?) - بقايَا من أهل العلم، يَدعُون مَن ضلَّ إلى الهدى، ويَصبِرون منهم على الأذى، يُحيُون بكتاب اللهِ الموتَى، ويُبَصِّرُون بنور الله أهل العمَى، وإن كانوا هم الأقلينَ. بهم تقوم حجةُ الله في دِقّ الدين وجلِّه، ويُحفَظ بهم عمودُ الدين فرعُه وأصلُه إلى يوم الدين. هم الوَسَطُ في هذه الأمة، كما أن هذه الأمة هم الوسط في الناس، فهم شُهَداءُ عليهم بما أخذوه عن خاتم النبيين، وهم ورثةُ الأنبياء فيما جاءوا به من العلم، وخُلفاءُ الرسُلِ فيما قاموا به من البلاع المبين،