قالوا: ولأن في المجاورة بها من تحصيل العبادات وتضعيفها ما لا يكون في بلد آخر، فإن الطَّواف بالبيت لا يمكن إلا بمكة وهو من أفضل الأعمال، ولأن الصلاة بها تضاعف هي وغيرها من الأعمال. وقد قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)) (?). رُوِيَ أنه ينزل على البيت في كل يومٍ مئةٌ وعشرون رحمة: ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، [وعشرون للناظرين] (?).
ولهذا قال العلماء: إن الصلاة بمكة أفضل من الصلاة بالثّغر، مع قولهم: إنَّ المُرابَطة بالثغر أفضل وتضاعف السيئات فيه، وإذا كان المكان دَوَاعِي الخير فيه أَقْوَى، ودواعِي الشر فيه أضعف، كان المُقام فيه أفضلَ مما ليس كذلك.
ولا نزاع بين المسلمين في أنه يُشرَعُ قصدُها لأجل العبادات المشروعة فيها، وأن ذلك واجب أو مُسْتَحب. وأما النِّزاع في المجاورة فلما فيه من تعارض للمصلحة والمفسدة كما تقدم. وحينئذٍ فمن كان مجاورته فيما يُكْثِرُ حسناته ويُقِلُّ سيئاته فمجاورته فيها أفضل من بلد لا يكون حاله فيه كذلك. فأفضل البلاد في حق كل شخص حيث كان أبرّ وأتقى، وإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم.
ولهذا لما كتب أبو الدّرداء إلى سلمان الفارسي، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد آخى بينهما، وكان أبو الدرداء بالشام وسلمان بالعراق،