وسكنى الغِيْران والكُهُوف، أو نحو ذلك مما يظنّه الجهال أهل البدع والضلال.
ثم إنَّ مِن هذه البقاع ما غَلَبَ عليه العدو، أو سَكَنَه أهل البدع والفُسَّاق؛ ففسد حالُ أهله، مثل ما جَرَى على لبنان ونحوه. وكون المكان ثغرًا هو مثل كونه دارَ الإسلام ودارَ الكفر مثل كون الرجل مؤمنًا وكافرًا، هو من الصِّفات التي تعرض وتزول، فقد كانت مكة -شرَّفها الله- أُم القرى قبلَ فتحها دارَ كُفْر وحَرْب تَجبُ الهجرة منها، ثم تَغَيّر هذا الحكم لمَّا فتِحَت. حتى قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?). "لا هِجْرَة بعد الفتح ولكن جهاد ونيَّة". وقد كان البيت المُقَدَّس بأيدي العدو تارة، وبأيدي المسلمين أخرى.
فالثغور هي البلاد المتاخمة للعدو من المشركين وأهل الكتاب التي يُخِيفُ العدو أهلها ويُخيف (?) أهلها العدو، والمرابطة بها أفضل من المُجاورة بالحرمين باتفاق المسلمين. كيف والمرابطة بها فرض على المسلمين إمَّا على الأعيان وإما على الكفاية.
وأما المجاورةُ فليست واجبة باتفاق المسلمين، بل العلماء متنازعون هل هي مستحبَّة أم مكروهة؟ فاستحبها طائفة من العلماء من أصحاب مالك والشافعي، وكرهها آخرون كأبي حنيفة وغيره، قالوا: لأن المُقَام بها يُفْضي إلى الملْكِ لها، وأنه لا يأمن من مواقعة المحظور؛ فيَتَضاعف عليه العذاب. ولأنه يضيق على أهل البلد.