وحدانيتِه ووحدانيةِ ربوبيتِه ووحدانية إلهيتِه، وعلى قدرته وعلمِه وحكمتِه ورحمتِه، وصِدْق رُسُلِه ووجوب طاعتِهمِ فيما أوجَبوا وأَمَروا، وتصديقِهم فيما أعلَموا به وأخبروا، وأنَّهم كمَّلُوا بما أُوتُوا من الهُدَى ودينِ الحق للعِبادِ ما كانتْ تَعْجزُ مجردُ عقولهم عن بلوغِه.
إذْ كانت طُرُقُ العلمِ ثلاثةً: الحسّ، والنظر، والخبر. فأتباعُهم جمعَ الله لهم غايةَ الفضائلِ العلمية والعملية، ولهذا كانت أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير أمةٍ أخرجت للناس، فإنّ الله جمعَ لهم من الفضائل ما فرقَه في غيرِهم من الأمم، فجمعوا إلى ما خصَّهم الله به ما كان عند غيرِهم من أهل الكتاب ومن فلاسفةِ اليونانِ والفُرسِ والهند وغيرِهم.
ولما كان سلفُ هذه الأمة عالمين بغاياتِ العلوم العقلية والسمعية وعَلِمُوا تَلازُمَهما، لم يكن بينهم تنازع ولا تعارض. وقد أخبرَ الله في كتابه بما دَلَّ به على أنَّ كلاًّ من العقل والسمع يُوجبُ النجاةَ، فقال تعالى عن أهل النار: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)) (?)، وقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) (?)، وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)) (?).