ثم أخبرَ بكمالِه فيهما بقوله (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (?)) وهو هَوى النفس المُفسِدُ للقوة العملية، (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (?)) وهو أعلى مراتبِ إعلامِ اللهِ لعبادِه، وإن كان أهلُه متفاضلين فيه.
فكمال التنزُّهِ عن الخطأ للأنبياء صلواتُ الله عليهم وسلامُه، وهم فيه متفاضلون، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) (?)، وقال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (?).
وقد استوعبَ سبحانَه أنواعَ جنسِ تكليمه لعباده في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) (?)، فجعل ذلك ثلاثة أنواع:
الوحي الذي منه ما هو إلهام للأنبياء يَقَظَةً ومنامًا، فإنّ رؤيا الأنبياءِ وحي.
والتكليم من وراءِ حجاب، كما كلَّمَ موسَى بن عمرانَ حيثُ نادا وقَرَّبَه نَجِيًّا.
والتكليم بإرسال رسول يُوحي بإذنِه ما يشاءُ هو تكليمُه بواسطةِ إرسال الملَكِ، كما قال تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18)) (?)، أي علينا أن نجمعَه في قلبك، ثمَّ علينا أن نقرأه