فإنه حينَ بُعِثَ إبراهيمُ كان الشركُ قد طَبقَ الأرضَ، وامتلأتْ بعبادة الكواكب العُلْوية والأصنامِ السُّفْلية، فأظهرَ التوحيدَ ودَعَا إليه، وعَادَىَ الشركَ وأهلَه، ونَصَرَه الله على قومِه.
والقرآنُ في غيرِ موضعٍ بيَّن أنه كان حنيفًا، وجعلَ الحنيفيةَ صفتَه، حتَّى إنَّ لفظ "حنيف" يُنصَب على الحال من المضاف إليه، كقوله: (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (?) و (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (?)، وهذا منصوبٌ على الحال، والكوفيون يسمونَه نصبًا على القطع، لكونه لم يكن صفةً في اللفظ فقُطِعَ، وهو معنى قول البصريين إنه منصوب على الحال.
وقد قالَ بعضُ النحويين: انتصابُ الحالِ على المضاف إليه لا يجوزُ حتى يكونَ المضافُ والمضافُ إليه بمنزلة شيء واحدٍ، كقوله: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) (?) هو حالٌ من الأخ، لأنه واللحم شيء واحد. وقوله: (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) كذلك، لأنّ الملَّةَ بمنزلة البعضِ منه، كقولِ عدي بن حاتم (?) -لمَّا أتاهُ يَعرِض عليه الإسلامَ-: "إني على ديني"، كأنه قال هُجْنةً منه. ولهذا يجوز لك أن تقول: "أعمى زيدٌ علمه ودينه" فتجعلهما بدلاً من زيدٍ.
(آخر ما وُجِد. والله أعلم).