وذكرَ الثعلبي ومَن اتبعَه كالبغوي (?) وغيرِه عن ابن عباس قال: الحنيف المائلُ عن الأديان إلى دين الإسلام. قالوا: وأصلُه من حَنَفِ الرِّجْل، وهو مَيْل وعِوَج في القَدَم، ومنه قيل للأحنف بن قيس ذلك، لأنه كان أحنفَ القدم.
قلتُ: والحج داخل في الحنيفية من حينِ أوجبَه الله على لسان محمد، فلا تتمُّ الحنيفيةُ إلاَّ به، وهو من ملَّة إبراهيم، وما زالَ مشروعًا من عهد إبراهيم، فحجَّه الأنبياء موسى ويونسُ وغيرُهما، وما زال مشروعًا من أول الإسلامِ، وإنما فرِضَ بالمدينةِ في آخر الأمر بالاتفاق. والصوابُ أنه فُرِض سنةَ عَشْرٍ أو تسعٍ، وقيل: سنةَ ستٍّ، والأولُ أصحُّ.
والله أمرَ محمدًا وأمتَه أن يكونوا حنفاءَ، فقال في النحل (?) -وهي مكية-: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)، فكان الحج إذْ ذاك داخلاً في الحنيفية على سبيل الاستحباب والتمام، لا على سبيل الوجوب. وأمرَ الله أهلَ الكتاب أن يكونوا حنفاءَ، ولم يكن الحج مفروضًا عليهم، بل كان مستحبًّا.
ومثلُ هذا ما رواه ابن أبي حاتم (?) عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: الحنيف الذي يستقبل البيتَ بصلاتِه، ويَرى حجَّه عليه واجبًا إن استطاعَ إليه سبيلاً.