ولما كان اسمه "القَيوم" يتناول هذا وهذا، وهو قَيُّومُ السماوات والأرضِ ومُقِيمُ كل مخلوقٍ من الأعيان والصفات، دَلَّ ذلك على أنّ كلَّ مخلوق له نصيب من القيام، فهو قائم بالقيم الذي أقامه، كما أن له قدرًا بالخلق، فإن اسمه "الخالق" يَقتضي الإبداعَ والتقدير، فقال: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)) (?)، وقال: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (?)) (?).
وإذا كان لكل شيء مخلوق قيام وقدر، دَلَّ ذلك على فسادِ قولِ مَن أثبتَ الجوهرَ الفردَ، ومَن قال: العَرَضُ لا يَبْقَى زمانَيْنِ.
فإن الذين يقولون بالجوهر الفرد يثبِتُون شيئًا لا تتميَّزُ يمينُه عن يَسارِه، ولا يُعرَف بالحسِّ، وهو ممتنع وجودُه، فإنَّ وجودَ ما لا يَتميَّز منه جانب عن جانب ممتنع، وإنما يَفرِضُونَه في الذهن.
وعلى قولهم لا قدرَ له، والله تعالى قد جعلَ لكل شيء قدرًا، فما لا قدرَ له لم يُخلَقْ، بل هو ممتنع.
وما يَفرِضُه أهلُ الهندسةِ من نقطةٍ مجرَّدةٍ وخطٍّ مجرَّد وسَطْحٍ مجرَّد، هي أمور مقدَّرة في الأذهان واللسان، لا تُوجَد مجرَّدةً في الخارج، بل لا تُوجَد إلاّ نقطة معينة مثلُ نقطة الماء والحِبْرِ ونحوِ ذلك مما يتميز منه جانب عن جانب، لقوله تعالى: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (?))، وقوله: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (?)) (?).