ولمّا كانَ القيامُ بالأمور بطريقةِ القرآن يَقتضي شيئين: القوة والثبات، مع العدل والاستقامة، جاء الأمرُ بذلك في مثل قوله: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّه) (?)، و (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) (?).
وقولُه: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) (?) يقتضي أنه يأتي بها تامّةً مستقيمةً، فإن الشاهد قد يَضعُفُ عن أدائها وقد يُحرِّفها، فإذا أقامَها كان ذلك لقوته واستقامته.
وكذلك إقامُ الصلاةِ يَقتضيْ إدَامتَها والمحافظةَ عليها باطنًا وظاهرًا، وأن يأتيَ بها مستقيمةً معتدلةً. ولمّا كانت صلاة الخوف فيها نقص لأجلِ الجهاد قال: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) (?)، فإن الرجل قد يصلّي ولا يقيمٍ الصلاة لنقصِ طمأنينتِها والسكينةِ فيها، فلا تكون صلاتُه ثابتة مستقرةً، أو لنقصِ خضوعِه لله وإخلاصِه له، فلا تكون معتدلةً، فإن رأسَ العدلِ عبادةُ الله وحدَه لا شريكَ له، كما أن رأسَ الظلم هو الشرك، إذ كان الظلمُ وضعَ الشيء في غيرِ موضعه، ولا أظلم ممن وضعَ العبادةَ في غيرِ موضعِها فعَبَدَ غيرَ الله، فعبادةُ الله أصلُ العدل والاستقامة. قال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (?)، فأمرَ بإقامةِ الوجهِ له عند كلِّ مسجد،