وهذا يزيد الذي وُلد في خلافة عثمان هو الذي تولّى الملك بعد أبيه معاوية، وهو الذي قُتِل الحسينُ في خلافته، وهو الذي جرى بينه وبين أهل الحرّة ما جرىَ. وليس هو من الصحابة، ولا من الخلفاء الراشدين المهديين، بل هو خليفةٌ من الخلفاء الذين تولَّوا بعد الخلفاء الراشدين، كأمثاله من خلفاء بني أمية وبني العباس.
وهؤلاء الخلفاء لم يكنْ فيهم مَنْ هو كافر، بل كلهم كانوا مسلمين، ولكن لهم حَسَنات وسَيئات، كما لأكثر المسلمين، وفيهم مَنْ هو خير وأحسنُ سيرةً من غيره، كما كان سليمانُ بن عبد الملك الذي وَلّى عمر بن عبد العزيز الخلافة من بني أمية، والمهديُّ والمُهْتَدي، وغيرُهما من خلفاء بني العباس، وفيهم مَنْ كان أعظم تأييدًا وسلطانًا، وأقهرَ لأعدائه من غيره، كما كان عبدُ الملك والمنصورُ.
وأما عمرُ بن عبد العزيز فهو أفضل من هؤلاء كلهم عند المسلمين، حتى كان غيرُ واحد من العلماء كسُفيان الثَّورِيّ وغيره يقولون: الخلفاءُ خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمرُ ابن عبد العزيز. وإذا قيل: "سيرة العمرين" فقد قال أحمد بن حنبل وغيرُه: العُمران عمرُ بن الخطاب وعمرُ بن عبد العزيز. وأنكر أحمد على من قال: العمران أبو بكر وعمر.
وكان عمر بن عبد العزيز قد أحيا السُنَّة، وأمات البدعة، ونشر العدل، وقَمَعَ الظَّلَمَة مِنْ أهل بيته وغيرهم، وردَّ المظالم التي كان الحجاجُ بن يوسف وغيرُه ظلموها للمسلمين، وقمع أهلَ البدع - كالذين كانوا يسبّون عليًّا، وكالخوارج الذي كانوا يكفّرون عليا