ثمَّ إذا عُرِفَ مذهبُهم بَقِيَ خَطَؤُهم في أصولٍ:
منها: زَعْمُهم أنَّ معاني القرآنِ معنىً واحد هو الأمرُ والنهيُ والخبرُ، وأنَّ معنى التوراةِ والإنجيل والقرآنِ معنى واحدٌ، ومعنى آية الكرسي معنى آيةِ الدَّين. وفسادُ هذا معلومٌ بالضرورة.
ومنها: زَعْمُهم أنَّ القرآنَ العربيَّ لم يتكلَّم الله به.
(وأطالَ في ذلك وبَرهنَ عليه بما يَطولُ هنا ذِكْرُه، وقال بعد ذلك:)
وأوَّلُ من قال هذا في الإسلام عبدُ الله بن سعيد بن كُلاَّب، وجَعَلَ القرآنَ المنزَّلَ حكايةً عن ذلك المعنى. فلما جاءَ الأشعريُّ واتبعَ ابنَ كُلاَّب في أكثرِ مقالتِه ناقشه على قوله: "إنّ هذا حكايةٌ عن ذلك"، وقالً: الحكايةُ تُماثِلُ المحكيَّ. فهذا اللفظُ يَصِحُّ من المعتزلةِ، لأنَّ ذلك المخلوقَ حروفٌ وأصواتٌ عندهم وحكايةٌ مثله، وأما على أصلِ ابن كُلاَّبٍ فلا يَصِحُّ أن يكون حكايةً. بل نقولُ: "إنّه عبارةٌ عن المعنى".
فأوَّلُ مَن قال بالعبارةِ الأشعريُّ. وكان البلاقلاَّني -فيما ذُكِرَ عنه- إذا دَرَّسَ مسألةَ القرآن يقولُ: هذا قولُ الأشعري ولم يَتبيَّنْ صحتَه، أو كلامًا هذا معناه.
وكان الشيخ أبو حامدٍ الإسفراييني يقول: مذهبُ الشافعي وسائرِ الأئمةِ في القرآن خلافُ قولِ الأشعري، وقولُهم هو قولُ الإمام أحمد (?).