كذلك أَمَرَ الأعمى -لما طلبَ منه الدعاءَ له- أن يُعِينَه هو أيضًا بصلاتِه ودعائِه، وقال: "صَلِّ ركعتينِ ثم قُلْ: اللهمّ إني أسألكَ وأتوسَّلُ إليك بنبيك محمد نبيِّ الرحمة" أي بدعاءِ نبيِّك وشفاعتِه. كما قال عمر: "كنّا نتوسَّلُ إليك بنبينا، وإنا نتوسلُ إليك بعم نبينا".
ومعلومٌ أنهم إنما توسَّلُوا بدعاءِ العبَّاس، كما كانوا يتوسَّلُون بدعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا فَعَلَه عمرُ بين المهاجرين والأنصار عامَ الرَّمَادَةِ، ولم يُنكِرْهُ أحدٌ ولم يَقُلْ له: بل التوسُلُ بذاتِ النبي أو الإقسامُ به مشروعٌ، فلِمَ يَعْدِلُ عن التوسُّلِ بالرسولِ إلى العباس؟
فلما أقرُّوا عمرَ على ذلك ولم يُنكِره أحدٌ عُلِمَ أنَّ ما فَعَلَه عمرُ وأصحابُه معَه هو المشروعُ دونَ ما يُخالِفُه.
وكذلك أمرَ الأعمى أن يتوسَّلَ بدعائِه وشفاعتِه، ويَدُلُّ على ذلك قولُه في آخر الحديث: "اللهمَّ فَشَفِّعْه فيَّ"، عُلِمَ أنه كان يدعو ويَشْفَع له، وأن الأعمى إنما توسَلَ بدعائِه وشفاعتِه، وإلاّ فكان يقول: "اللهم وهذا شفاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".
والتوسُّل بدعائه وشفاعتِه هو التوسُّل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه، وهو معنى التوسُّل به عندهم، كما قد بَيَّن ذلك حديثُ عمر وحديثُ الأعمى. ولكن من الناس مَن ظنَّ أن المراد بلفظ التوسُّل به هو التوسُل بذاتِه أو الإقسامُ بذاتِه، وهذا غلطٌ على الصحابة.
وأما كلامُ العلماء في أن ذلك مشروعٌ أو لا؟ فقد ذكرَ السائلُ النقلَ عن أبي حنيفةَ وأبي يوسف وغيرِهما أن ذلك منهيٌّ عنه،