منهم من نهى عن الفساد. وقال مقاتل: لم يكن من القرون من ينهى عن المعاصي والشرك، إلا قليلًا ممن أنجينا من العذاب مع الرسل.
ومما يُبيِّن ذلك أن قوله: {فَلَوْلَا} بمعنى فهلَّا، وهي كلمة تحضيضٍ على المذكور وذمٍّ لمن لم يفعله، والمعنى: فهلَّا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها؟ كما قال: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود:116]، أي لِمَ لا كان فيهم مَنْ ينهى وفي القرى مَن آمن فنفعه إيمانُه؟ وهذا يقتضي أن أهل القرى لو آمنوا لنفعهم إيمانهم كما نفعَ قومَ يونس، لكن لم يؤمنوا. وعلى ما قاله المنازعون يكون معنى الآية: ما آمنت قرية فنفعَها إيمانُها إلا قوم يونس، أو ما آمن أحدٌ عند رؤية العذاب فنفعَه إيمانُه إلا قوم يونس. فبهذا فسَّروا القرآن، وليس هذا مراد الله، فإن الله لم يخبرنا أن غير قوم يونس آمنوا وما نفعَهم إيمانهم، وأن الإيمان لم ينفع إلا قومَ يونس. بل مقصوده أنه لم يؤمنْ وينتفعْ بإيمانه من أهل القرى إلا قومُ يونس.
وأيضًا فإن هذا المعنى يقال فيه: فما قرية آمنت فنفعَها إيمانُها إلا قومَ يونس بصيغة النفي والسلب، لا يقال: فهلَّا كانت قرية آمنت بصيغة التحضيض والطلب والاستدعاء والتوبيخ والملام على ترك الإيمان،