وأمَّا قوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة:13 - 14]، فليس على وجه التأكيد المجرد، بل [المراد] التقييد بالمرة الواحدة، ولمّا كانت النفخة قد يراد بها الواحدة من الجنس، وقد يراد بها مطلقة، كما [في] البقلة، وحبّة الحنطة، واللعنة، والهمة، ونحوها، وكان المراد التقييد بالمرة الواحدة من هذا الجنس، أتى بالواحدة ليدل على هذا المعنى، أي: أنَّ النفخ لم يكن نفختين، ولم يك [دكّ] الأرض والجبال بعد حملهما دكّتين، بل واحدة فقط، فعل المقتدر على الشيء المتمكن منه، ونظيره قوله تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53].
ونظيره قوله تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:29]، أي: لم يتابع عليهم الصيحة، بل أهلكناهم من صيحة واحدة.
وأمَّا قوله سبحانه وتعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:21 - 22]، فليس للتأكيد كما يظنّه طائفةٌ من الناس، وإنّما المراد الدك المتتابع، أي: دكًّا بعد دكٍّ.
وهذا لا يفهم من قوله سبحانه: {دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا}، فقوله: {دَكًّا دَكًّا} فيه قدر زائد على مجرد الدكّ، وكذلك قوله تعالى: {صَفًّا صَفًّا}، ليس للتأكيد إذ المراد صفًّا بعد صفٍّ، أي: صفًّا يتلوه صفٌّ، وهو لا يفهم من قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا}؛ لاحتمال أنْ يكونوا