كان من الفقهاء مَن يقوله، فإنّ في هذا فسادًا مضاعفًا، فإن ذلك كان ممنوعًا من الشرب والزنا ولو بذل العِوَض، فإذا كان قد فعله بعِوَض وأُعِيد إليه العِوَض كان ذلك زيادةَ إعانةٍ له وإغراء له بالسيئات.
وأما الصدقة فهي أوجَهُ، لكنْ يقال: هذا الباب أحقُّ به من غيره، ولا ريب إن كان صاحب هذا الباب فقيرًا فهو أحقُّ به من غيره من الفقراء، وبهذا أفتيتُ غير مرةٍ، وإذا كان التائب فقيرًا يأخذ منه حاجته، فإنه أحقُّ به من غيره، وهو إعانة له على التوبة، وإن كُلِّف إخراجَه تضرَّر غايةَ التضرُّر ولم يتُبْ. وأيضًا فلا مفسدةَ في أَخْذِه، فإنّ المال قد أخذه وخرج عن حكم صاحِبه، وعينُه ليست محرمة، وإنما حرم لكونه استُعِين به على محرم، وهذا قد غُفِر بالتوبة فيحلُّ له مع الفقر بلا ريب، وأخذُ ذلك له مع الغنى وجهٌ، وفيه تيسيرُ التوبة على من كسب مثل هذه الأموال.
وأما الربا فإنه قبض برضا صاحبه، والله سبحانه يقول: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}، ولم يقل: فمن أسلم، ولا من تبيَّنَ له التحريم، بل قال: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى}، والموعظة تكون لمن علم التحريم أعظم مما تكون لمن لم يعلمه، قال الله تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:17]، وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء:63].