والشريعة أمرٌ ونهي، فإذا كان حكم الأمر لا يثبت إلا بعد بلوغ الخطاب وكذلك النهي، فمَنْ فعلَ شيئًا لم يعلم أنه محرَّم، ثم علم لم يُعاقَبْ. وإذا عامل معاملاتٍ ربويةً يعتقدها جائزةً وقبضَ منها ما قبضَ، ثم جاءه موعظةٌ من ربه فانتهى فله ما سلف، ولا يكون شرًّا من الكافر، ولو كان قد باع خمرًا أو حشيشةً أوكلبًا لم يَعلم أنها حرام وقبضَ ثمنَها. وسَمُرةُ لما باع وقبضَ ثمنها قال عمر: قاتل الله سمرةَ! ألم يَعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا حَرَّمَ على قومٍ أكلَ شيءٍ حَرَّمَ عليهم ثمنَه؟».
وكانوا يقبضون الخمر جزيةً عن أهل الذمة ثم يبيعونهم إياها، فقال عمر: وَلُّوهم بيعَها ثمَّ خذوا ثمنها. وما قبضه سمرة لم يذكر أن عمر أمر بردِّه، وكيف يردُّه وقد أخذوا الخمر، ولا نهاه عن الانتفاع به؟ وذلك أن هذا الذي قبضه قبل أن يعلم أنه محرَّم لا إثمَ عليه في قبضه، فإنه لم يكن يعلم أنه محرَّم، والكافر إذا غُفِر له قبضُه لكونه قد تابَ، فالمسلم أَولى بطريق الأَولى.
والقرآن يدل على هذا بقوله: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275]، وهذا عام في كل من جاءه موعظة من ربه، فقد