وهي طاعة الله، وإنما هي مما يبتلي الله بها عبدَه، فإن أطاعه بها رفعَه، وإن عصاه بها خفضَه، وإن كانت من آثار طاعةٍ أخرى، كما قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن:16 - 17].

وإذا كان في النعمة والكرامة هذان الوجهان فهي في باب الأمر والشرع نعمةٌ يجب الشكر عليها، وفي باب الحقيقة القدرية لم يكن لهذا الفاجر بها إلا فتنة ومحنة استوجبَ بمعصية الله فيها العذاب، وهي في ظاهر الأمر قبلَ أن تُعرَف حقيقةُ الباطن ابتلاءٌ وامتحانٌ، يمكن أن تكون من أسباب سعادته، ويمكن أن تكون من أسباب شقاوته.

وظهر بهذا جانبُ الابتلاء بالمرّ، فإن الله يبتلي بالحلو والمرّ، كما قال: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، وقال تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف:168]، فمن ابتلاه الله بالمرّ بالبأساء والضرَّاء والبأس وقَدَر عليه رزقَه، فليس ذلك إهانةً له، بل هو ابتلاء، فإن أطاع الله في ذلك كان سعيدًا، وإن عصاه في ذلك كان شقيًّا، كما كان مثلُ ذلك سببًا للسعادة في حقِّ الأنبياء والمؤمنين، وكان شقاءً وسببًا للشقاء في حقِّ الكفار والفجّار، قال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015