المحظورَ الذي يُربي عذابُه على نعيمها، كانت وبالًا عليه، وكاد أن لا يكون ذلك في حقّه خيرًا له من أن يكون، فليست نعمةً في حقِّه في باب القضاء والقدر والخلق والمشيئة العامة، وإن كان ذلك يكون نعمةً في حق عموم الخلق والمؤمنين. وعلى هذا يظهر ما تقدم من خبر الله بأن ذلك استدراج ومكرٌ وإملاءٌ.
وهذا الذي ذكرناه من ثبوتِ الإنعام بها من وجهٍ وسلبِه من وجهٍ آخر مثل ما ذكره الله في قوله: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا} [الفجر:15 - 17]، فأخبر أنه أكرمه وأنكر قول المبتلَى «أكرمني»، واللفظ الذي أخبر الله به مثل اللفظ الذي أنكره الله من كلام المبتلَى، لكن المعنى مختلف، فإن المبتلَى اعتقدَ أن هذا كرامة مطلقة، وهي النعمة التي يقصد بها المنعِمُ إكرامَ المنعَم عليه، والإنعامُ بنعمةٍ لا يكون سببًا لعذابٍ أعظم منها. وليس الأمر كذلك، بل الله تعالى ابتلَى بها ابتلاءً ليتبيَّن هل يطيعه فيها أم يعصيه، مع علمه بما سيكون من الأمرين، ولكن العلم بما سيكون شيء، وكون الشيء والعلم به شيء. وأما قوله: {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} فإنه تكريم بما فيه من اللذات، ولهذا قرنَه بقوله: {وَنَعَّمَهُ}.
ولهذا كانت خوارق العادات التي تسميها العامة كرامةً ليست عند أهل التحقيق كرامةً مطلقة، بل في الحقيقة الكرامةُ هي لزوم الاستقامة،