لعبادتِه، فمن لم يستعمل نفسَه ومالَه في عبادة الله استعملها بغير اختياره في طاعة الشيطان، إذ كان لا بدَّ لها من عملٍ، ولا بدَّ للمال من مَصْرف، ولو حفظَه مات عنه، فمالُ البخيل لحادثٍ أو لوارثٍ، لا ينتفع به صاحبُه، كما قال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55]، فهم يُعذَّبون بها، فتزهق أنفسهم وهم كافرون، فإن النفس المعلَّقة بها لا تُفارِق باختيارها، بل تزهق وهي كافرة، لم يؤمنوا ويعملوا صالحًا.

وأيضًا فالصبر على ما يحصل باختيار العبد، كصَبْرِ الداعي إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على ما يُصيبه في ذلك من المكروه، ولو تركَه لم يُصِبْه، وصَبْر المطيع والممتنع عن المعصية إذا أوذي حتى يَعصِيَ، فصبرَ على الأذى ولم يَعْصِ، وصَبْر المؤمن على مفارقة محبوبِه باختياره وعلى احتمال المكروه باختياره= هذا الصبر أفضل من الصبر على المصائب التي لا حيلةَ له في دفعها، كالمرض وموتِ الأقارب، والجائحة التي تذهب بالمال، فإن هذا إن يصبرْ وإلا فلا فائدةَ له في الجزع، وهو لم يُمكِنْه دفعُها، ولهذا يشترك الناس في هذه المصائبِ، المؤمنُ والكافر. وأما تلك فإنما حصلتْ بسبب إيمانه وطاعته لله ورسولِه، فعلى ذلك أوذِيَ، فبإرادته واختياره حصلَ الأمرُ المكروه الذي يُريد أن يصبر عليه. فهذا أزكَى نفسًا وأعظمُ محبَّةً وصبرًا على طاعته، وأعظمُ تركًا لمحبوباته وفعلًا لمكروهاته لله. ولهذا كان مَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015