تحصُلُ لأهل الإيمان والجهاد يحصُل مثلُها وأعظمُ منها لغيرهم، فإنه لا تتم مصلحةُ أحدٍ إن لم يَنُبْ عن نفسِه وأرضِه، فلا بدَّ لكلٍّ إمّا أن يقاتل وإما أن يَذِلَّ لمن يقاتل، فمن لم يقاتل في سبيل الرحمن قاتلَ في سبيل الشيطان، أو كان متهوِّرًا مع هؤلاء أو هؤلاء، ومعلومٌ أن كونه عزيزًا خيرٌ من كونِه ذليلًا، ولا بدَّ من موتِ الخلق كلِّهم، وخيرُ الموتِ القتلُ في سبيل الله. فلهذا قال: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52]، كسُنَّته فيمن كذَّبَ الرسلَ، فإنه ينتقم منهم بعذابٍ من عنده، أو يُسلِّط عليهم عبادَه المؤمنين، فهو معذِّبهم في الدنيا والآخرة كما يذكر الله، وهنا إنما ذكر عذاب الدنيا، فكان ما أُمِروا به من هَجْر المحبوبات المنهيِّ عنها لله، ومن الجهاد واحتمال المكاره فيها، وبَذْل المحبوب لله، هو غاية السعادة في الدنيا والآخرة.
ولهذا كان الجهاد سَنَامَ العمل، وفي الأثر: «من ترك أن يُنفقَ دراهمَ في سبيل الله أنفقَ مثلَها في طاعة الشيطان، ومن تركَ أن يمشيَ مع أخيه خطواتٍ لله مشى مثلَها في طاعة الشيطان، ومن ترك الحج لحاجةٍ حجَّ الناسُ ورجعوا وحاجتُه لم تُقضَ». وذلك أن الله تعالى خلق الخلقَ