فكلا القولين صحيح من حيث المعنى، لكن لفظ أوليائه في الآية هو الذي يجعلهم الشيطان مخوِّفين لا خائفين، كما دلَّ عليه سياقُ الآية ولفظُها، وإذا جعلهم الشيطان مخوفين فإنما يخافهم من خوَّفَه الشيطان فجعله خائفًا. فالآية دلت على أن الشيطان يجعل أولياءه مخوِّفين، ويجعل ناسًا خائفين أولياءَه.
ودلَّت الآية على أن المؤمن لا يجوز أن يخاف أولياء الشيطان، وعليه أن يخاف الله، فخوف الله أُمِرَ به وخوفُ أولياء الشيطان نُهِي عنه. وهذا كقوله في الآية الأخرى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) الآية (?)، فنَهَى عن خشية الظالم وأَمَر بخشيته تعالى. وقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ) (?)، وقال: (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)) (?).
وبعض الناس يقول: يا ربِّ! أخافك وأخافُ من لا يخافك. وهذا لا يجوز، بل عليه أن يخاف الله، ولا يخاف من لا يخاف الله، فإن من لا يخاف الله ظالمٌ من أولياء الشيطان، وهذا قد نهى الله عن أن يُخاف.
وإذا قيل: قد يؤذيني، قيل: إنما يُؤذيك بتسليط الله له، وإذا أراد سبحانه دفعَ شرِّه عنك دَفَعَه، فالأمر لله. أنتَ إذا خفتَ الله فاتقيتَه وتوكلتَ عليه كفاكَ شرَّه، ولم يُسلِّطْه عليك، فانه تعالى قال: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (?).